responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 369
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُضْمَرُ فِيهِ: كَانَ يُكَذِّبُ. وقوله تعالى:

[سورة الرحمن (55) : آية 44]
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ [الْكَهْفِ: 29] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السَّجْدَةِ: 20] لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ بُعْدٍ شَيْءٌ مَائِعٌ هُوَ صَدِيدُهُمُ الْمَغْلِيُّ فَيَظُنُّونَهُ مَاءٌ، فَيَرِدُونَ عَلَيْهِ كَمَا يَرِدُ الْعَطْشَانُ فَيَقَعُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْهُ شُرْبَ الْهِيمِ، فَيَجِدُونَهُ أَشَدَّ حَرًّا فَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْعَطْشَانَ إِذَا وَصَلَ إِلَى مَاءٍ مَالِحٍ لَا يَبْحَثُ عَنْهُ وَلَا يَذُوقُهُ، وَإِنَّمَا يَشْرَبُهُ عَبًّا فَيَحْرِقُ فُؤَادَهُ وَلَا يُسَكِّنُ عَطَشَهُ. وَقَوْلُهُ: حَمِيمٍ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فُعِلَ فِيهِ مِنَ الْإِغْلَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: آنٍ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: قَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ فَكَأَنَّهُ حَمَتْهُ النَّارُ فَصَارَ فِي غَايَةِ السُّخُونَةِ وَآنَ الْمَاءُ إِذَا انْتَهَى فِي الْحَرِّ نِهَايَةً. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

[سورة الرحمن (55) : آية 45]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)
وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ مِنَ الْآلَاءِ فَكَيْفَ قَالَ: فَبِأَيِّ آلاءِ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما مِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. تُكَذِّبانِ فَتَسْتَحِقَّانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ مِنَ الْعَذَابِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرحمن: 46] هِيَ الْجِنَانُ ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْآلَاءَ لَا تُرَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْجِنَانَ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الْإِيمَانُ بِهَا بِالْغَيْبِ، فَلَا/ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ مِثْلَ مَا يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ هَيْئَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالنَّجْمِ وَالشَّجَرِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُدْرَكُ وَيُشَاهَدُ، لَكِنَّ النَّارَ وَالْجَنَّةَ ذُكِرَتَا لِلتَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ فَبِأَيِّهِمَا تُكَذِّبَانِ فَتَسْتَحِقَّانِ الْعَذَابَ وَتُحْرَمَانِ الثَّوَابَ. ثم قال تعالى:

[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 47]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47)
وَفِيهِ لَطَائِفُ: الْأُولَى: التَّعْرِيفُ فِي عذاب جهنم قال: هذِهِ جَهَنَّمُ [الرحمن: 43] وَالتَّنْكِيرُ فِي الثَّوَابِ بِالْجَنَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْمَرَاتِبِ الَّتِي لَا تُحَدُّ وَنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ آخِرَ الْعَذَابِ جَهَنَّمُ وَأَوَّلَ مَرَاتِبِ الثَّوَابِ الْجَنَّةُ ثُمَّ بَعْدَهَا مَرَاتِبُ وَزِيَادَاتٌ الثَّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: 45] أَنَّ الْخَوْفَ خَشْيَةٌ سَبَبُهَا ذُلُّ الْخَاشِي، وَالْخَشْيَةُ خَوْفٌ سَبَبُهُ عَظَمَةُ الْمَخْشِيِّ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28] لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه لا لذل منهم، بل لعظمة جانب الله، وكذلك قوله: مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون: 57] وَقَالَ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الْحَشْرِ: 21] أَيْ لَوْ كَانَ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْعَالِمَ بِالْمُنَزَّلِ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ فِي الْقُوَّةِ وَالِارْتِفَاعِ لَتَصَدَّعَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لِعَظَمَتِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الْأَحْزَابِ: 37] وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْخَشْيَةَ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الشَّيْخَ لِلسَّيِّدِ وَالرَّجُلِ الْكَبِيرِ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ مَعْنَى الْعَظَمَةِ فِي خ ش ي، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْخَوْفِ: وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها [طه: 21] لَمَّا كَانَ الْخَوْفُ يُضْعِفُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست